للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ينفسح بها وينشرح، فتتقشع عند ذلك سحائب الضيق، ويتضمخ العيش بأريج الحياة الطيبة، وتنجلي منه روائح الشقاء والعناء. وفي هذه الجنة الوارفة الظلال يتسابق الوقت ويقصر، لكن اللذة تمتد وتطول، فلا يقطع هذه الحلاوة والساعة المباركة إلا لمعانُ سيف الفجر، فيعود المحب وقد دخل جنة لا يعرفها إلا القليل من الناس، وهو مازال يمشي على وجه الأرض.

فـ"ما عند المحبين ألذ من أوقات الخلوة بمناجاة محبوبهم الذي هو شفاء قلوبهم ونهاية مطلوبهم …

قال ثابت البناني رحمه الله: ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل، وقال سفيان رحمه الله: إذا جاء الليل فرحت، وإذا جاء النهار حزنت، وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: لَأهلُ الطاعة بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا" (١).

سابعًا: الحُسن والبهجة على الوجوه، قيل للحسن: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خَلَوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره (٢).

ففي صلاة الليل ينسكب النور على القائمين الخاشعين فتكتسي وجوههم حُللَ السناء والضياء، وتشرق قلوبهم فترى طريقها إلى الله تعالى، وتنشرح صدورهم فتعرف قدر كلامه سبحانه.

فأي وجوه أشد تلألأً من وجوه أهل تلك العبادة، فمن" كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" (٣).

فإذا انقضت لحظات القرب من الرب رجع أولئك الأخيار سيماهم في وجوههم من


(١) لطائف المعارف، لابن رجب (ص: ٤٣).
(٢) فضل قيام الليل والتهجد للآجري (ص: ٥).
(٣) قاله شريك بن عبد الله القاضي، الإرشاد في معرفة علماء الحديث، للقزويني (١/ ١٧١).

<<  <   >  >>