أثر بقائهم في تلك الرياض المشرقة ركعًا سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، فعادوا كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، فبسق عود الإيمان، وتفرّعت أغصانه، وينعت ثماره سكينة وطمأنينة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
أسوة حسنة:
إن الصالحين الصادقين حينما عرفوا فضل قيام الليل وحسن أثره انطلقت أقدامهم عجلى إلى مواضع صلاتهم، تحمل أجساداً تحذر الآخرة، وترجو رحمة ربها، وجافت جنوبهم مضاجعهم، والأنيسُ ودُود، والنوم لذيذ، والبرد شديد، ولكن الشوق إذا سما لا تهبطه نوازع المحابِّ الصادة، والمكاره الرادة، والغايةُ متى عظمت فما في الدنيا شاغل عنها.
فلما رأوا " الليل قد هجم عليهم ونظروا إلى أهل السآمة والغفلة قد سكنوا إلى فرشهم، ورجعوا إلى ملاذهم من الضجعة والنوم؛ قاموا إلى الله فرحين مستبشرين بما قد وهب لهم من حسن عبادة السهر وطول التهجد، فاستقبلوا الليل بأبدانهم وباشروا ظلمته بصفاح وجوههم، فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذتهم من التلاوة، ولا ملت أبدانهم من طول العبادة، فأصبح الفريقان وقد ولى عنهم الليل بربح وغبن؛ أصبح هؤلاء قد ملوا النوم والراحة، وأصبح هؤلاء متطلعين إلى مجيء الليل للعبادة، شتان ما بين الفريقين، فاعملوا لأنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده؛ فإن المغبونَ من غُبن خير الليل والنهار، والمحروم من حرم خيرهما، إنما جعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربهم، ووبالاً على الآخرين للغفلة عن أنفسهم، فأحيا الله أنفسهم بذكره، فإنما تحيا القلوب بذكر الله. كم من قائم لله في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته، وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على طول نومه، عندما يرى من كرامة الله للعابدين غداً، فاغتنموا ممر الساعات والليالي والأيام رحمكم الله"(١). واقتدوا بمن سبق على هذا الطريق من القائمين