للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد ذكرتُك والرماح شواجرٌ … نحوي وبيضُ الهند تقطرُ من دمي

وهذا كثير في أشعارهم وهو مما يدل على قوة المحبة؛ فإن ذكر المحب محبوبه في تلك الحال التي لا يهم المرءَ فيها غيرُ نفسه يدل على أنه عنده بمنزلة نفسه أو أعز منها، وهذا دليل على صدق المحبة" (١).

خامسًا: أن الله تعالى أمر بالإكثار منه وأخبر بذلك في مواضع عدة من كتابه، ولا يأمر بذلك إلا لأهمية الذكر ومنزلته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: ٤٥]، وقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: ١٠]، وقال: {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الشعراء: ٢٢٧]، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: ٢١]. وفي قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: ٢٠٠]، "الأمر بالذكر بالكثرة والشدة؛ لشدة حاجة العبد إليه وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله عز وجل كانت عليه لا له، وكان خسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله، وقال بعض العارفين: لو أقبل عبد على الله تعالى كذا وكذا سنة ثم أعرض عنه لحظة لكان ما فاته أعظم مما حصله" (٢).

سادسًا: وروده الكثيرُ المتنوع في القرآن الكريم، قال ابن القيم: "وهو في القرآن على عشرة أوجه الأول: الأمر به مطلقًا ومقيداً، الثاني: النهي عن ضده من الغفلة والنسيان، الثالث: تعليق الفلاح باستدامته وكثرته، الرابع: الثناء على أهله والإخبار بما أعد الله لهم من الجنة والمغفرة، الخامس: الإخبار عن خسران من لها عنه بغيره، السادس: أنه سبحانه جعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له، السابع: الإخبار أنه أكبر من كل شيء، الثامن: أنه


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (٢/ ٤٢٧).
(٢) الوابل الصيب، لابن القيم (ص: ٥٦).

<<  <   >  >>