للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالوَصَع (١) وكالذباب؛ ولهذا سمي الوسواسَ الخناس أي: يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى خنس أي: كف وانقبض، قال ابن عباس: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنس" (٢).

ثامنًا: أنه حياة، والغفلة عنه موت، قال النبي صلى الله عليه و سلم: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت) (٣).

وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل البيت الذي يذكر فيه الله والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت) (٤). "فجعل بيت الذاكر بمنزلة بيت الحي، وبيت الغافل بمنزلة بيت الميت وهو القبر، وفي اللفظ الأول: جعل الذاكر بمنزلة الحي والغافل بمنزلة الميت، فتضمن اللفظان: أن القلب الذاكر كالحي في بيوت الأحياء، والغافل كالميت في بيوت الأموات، ولا ريب أن أبدان الغافلين قبور لقلوبهم، وقلوبهم فيها كالأموات في القبور؛ كما قيل:

فنسيانُ ذكرِ الله موتُ قلوبهم … وأجسامُهم قبل القبور قبورُ

وأرواحهم في وحشة من جسومهم … وليس لهم حتى النشورِ نشور" (٥).

فالغافلون أدركهم الشيطان فأمات أرواحهم وقلوبهم؛ ولهذا فإن الذاكرين يعيشون حياة حقيقية ملؤها السعادة واليقين، وتحفها الطمأنينة والراحة، وأفعالهم بيضاء لصفاء قلوبهم بذكر الله تعالى، أما غيرهم -ممن يعيشون الغفلة- فأموات في صورة أحياء،


(١) الوَصَعُ: بفتحتين: طائر يشبه العصفور في صغره وقيل: هو الصغير من النغران. المصباح المنير، للفيومي (ص: ٣٤١).
(٢) الوابل الصيب، لابن القيم (ص: ٥٦).
(٣) رواه البخاري (٥/ ٢٣٥٣).
(٤) رواه مسلم (١/ ٥٣٩).
(٥) مدارج السالكين، لابن القيم (٢/ ٤٢٩).

<<  <   >  >>