للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أوقاته كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصدأه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل؛ لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ واسود وركبه الرَّان فسد تصوره وإدراكه، فلا يقبل حقًا ولا ينكر باطلاً، وهذا أعظم عقوبات القلب. وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى؛ فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره قال تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: ٢٨] " (١).

وقال أيضًا -وهو يسوق فوائد الذكر-: " يورث حياة القلب، وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول: الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟ … أنه قوت القلب والروح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته، وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إلي وقال: هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي. أو كلاما قريبًا من هذا. وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر. أو كلامًا هذا معناه … أنه يورث جلاء القلب من صداه … وصدأ القلب الغفلة والهوى، وجلاؤه الذكر والتوبة والاستغفار" (٢).

وقال كذلك: " في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى. وذكر حماد بن زيد عن المعلى بن زياد أن رجلاً قال للحسن: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أذِبْهُ بالذِّكْر. وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في


(١) الوابل الصيب، لابن القيم (ص: ٥٦).
(٢) الوابل الصيب، لابن القيم (ص: ٦٣).

<<  <   >  >>