النار، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل … أن الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه، فالقلوب مريضة وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى، قال مكحول: ذكر الله تعالى شفاء وذكر الناس داء " (١).
ويقول ابن القيم في كلام جامع مبينًا فيه فضل الذكر وثمراته، قال في منزلة الذكر من المدارج: " وهي منزلة القوم الكبرى الّتي منها يتزوّدون، وفيها يتّجرون، وإليها دائمًا يتردّدون. والذّكر منشور الولاية الّذي من أعطيه اتّصل، ومن منعه عُزل، وهو قوت قلوب القوم الّذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا، وعمارة ديارهم الّتي إذا تعطّلت عنه صارت بورا، وهو سلاحهم الّذي يقاتلون به قطّاع الطّريق، وماؤهم الّذي يطفئون به التهاب الحريق، ودواء أسقامهم الّذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسّبب الواصل؛ والعلاقة الّتي كانت بينهم وبين علّام الغيوب.
إذا مرضنا تداوينا بذكركمُ … فنترك الذّكرَ أحياناً فننتكسُ
به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلّهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النّوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنّتهم الّتي فيها يتقلّبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون يدع القلب الحزين ضاحكًا مسرورا، ويوصّل الذّاكر إلى المذكور، بل يدع الذّاكر مذكورا. وفي كلّ جارحة من الجوارح عبوديّة مؤقّتة. والذّكر عبوديّة القلب واللّسان وهي غير مؤقّتة، بل هم يؤمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كلّ حال قيامًا وقعوداً، وعلى جنوبهم، فكما أنّ الجنّة قيعان، وهو غراسها فكذلك القلوب بور خراب، وهو عمارتها وأساسها. وهو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلّما ازداد الذّاكر في ذكره استغراقا ازداد المذكور محبّة إلى لقائه واشتياقا، وإذا واطأ في ذكره قلبه للسانه نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضًا من كل شيء، به يزول الوقر عن الأسماع، والبكم عن