للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافياً غير مستقيم على المنهج الوسط؛ مثال ذلك: أن السنة وردت بالإبراد بالظهر في شدة الحر، فالترخص الجافي أن يبرد إلى فوات الوقت أو مقاربة خروجه فيكون مترخصًا جافياً … وأما تعريض الأمر والنهي للتشديد الغالي فهو كمن يوسوس في الوضوء متغاليًا فيه حتى يفوت الوقت، أو يردد تكبيرة الأحرام إلى أن تفوته مع الإمام قراءة الفاتحة أو يكاد تفوته الركعة … فحقيقة التعظيم للأمر والنهي أن لا يعارَضا بترخص جافٍ، ولا يعرضا لتشديد غالٍ؛ فإن المقصود هو الصراط المستقيم الموصل إلى الله عز وجل بسالكه …

ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن لا يحمل الأمر على علة تضعف الانقياد والتسليم لأمر الله عز وجل، بل يسلم لأمر الله تعالى وحكمه، ممتثلاً ما أمر به، سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر، فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه حمله ذلك على مزيد الانقياد والتسليم، ولا يحمله ذلك على الانسلاخ منه وتركه" (١).

سمعنا وأطعنا:

على طالب النجاة أن يسلم قلبه وجوارحه للوحي، بحيث ينقاد انقياداً تامًا لما جاء به أمراً ونهيًا، ناطقًا بلسانِ قالِه وفعاله: سمعنا وأطعنا، وأن لا يروغ عن ذلك يمنة ولا يسرة؛ لشهوة عنده أو شبهة أو حيلة؛ باحثًا عن مخرج يخلصه من الانقياد والتسليم.

وهذا هو الاستقامة التي أمر الله تعالى بها في قوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: ١١٢].

"قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب" (٢).


(١) الوابل الصيب، لابن القيم (ص: ٢٤).
(٢) مدارج السالكين، لابن القيم (٢/ ١٠٤).

<<  <   >  >>