للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمرت؟ أم بهذا تطلب الجنة وتهرب من النار؟! (١).

علو الهمة في طلب الآخرة:

وإذا حمدتْ الهمة السامية في أمور الدنيا المباحة فكيف بالأمور الدينية التي توصل إلى الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، قال الشوكاني: " ينبغي لمن كان صادق الرغبة، قوي الفهم، ثاقب النظر، عزيز النفس، شهم الطبع، عالي الهمة، سامي الغريزة أن لا يرضى لنفسه بالدون، ولا يقنع بما دون الغاية، ولا يقعد عن الجد والاجتهاد المبلغينِ له إلى أعلى ما يراد، وأرفع ما يستفاد؛ فإن النفوس الأبية، والهمم العلية لا ترضى بدون الغاية في المطالب الدنيوية؛ من جاه أو مال أو رئاسة أو صناعة أو حرفة، حتى قال قائلهم:

إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ … فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ

فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ … كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ

وقال آخر مشيراً إلى هذا المعنى:

إذا لم تكن ملِكًا مطاعا … فكن عبداً لخالقه مطيعا

وإن لم تملكِ الدنيا جميعًا … كما تهواه فاتركها جميعا

هما شيئان من ملْك ونسْك … ينيلان الفتى شرفًا رفيعا

وقال آخر:

فإما مكانًا يضرب النجم دونه … سرادقَه أو باكياً لحِمامِ

وقد ورد هذا المعنى كثيراً في النظم والنثر، وهو المطلب الذي تنشط إليه الهمم الشريفة، وتقبله النفوس العلية، وإذا كان هذا شأنهم في الأمور الدنيوية التي هي سريعة الزوال قريبة الاضمحلال، فكيف لا يكون ذلك من مطالب المتوجهين إلى ما هو أشرف


(١) المرجع السابق (٣/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>