للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مطلبًا، وأعلى مكسبًا وأربح مراداً، وأجل خطراً، وأعظم قدراً، وأعود نفعاً، وأتم فائدة وهي المطالب الدينية" (١).

إن أعلى الهمم همةٌ تاقت إلى الله تعالى وإلى جنته ورضوانه، وتعلقت بكل ما يقرب إلى ذلك، وزهدت عن كل شيء يعيقها أو يؤخرها عن ذلك المطلب الغالي، وكانت مع نية صالحة موصلة إلى المقصود العالي.

قال ابن القيم: "فإن الهمة إذا كانت عالية تعلقت به وحده دون غيره، وإذا كانت النية صحيحة سلك العبد الطريق الموصلة إليه، فالنية تفرد له الطريق، والهمة تفرد له المطلوب، فإذا توحد مطلوبه والطريق الموصلة إليه كان الوصول غايته، وإذا كانت همته سافلة تعلقت بالسفليات، ولم تتعلق بالمطلب الأعلى، وإذا كانت النية غير صحيحة كانت طريقة غير موصلة إليه، فمدار الشأن على همة العبد ونيته، وهما مطلوبه" (٢).

وعلو الهمة الذي ينبغي لك أيها المسلم هو: " أن لا تقف دون الله، ولا تتعوض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع حظك من الله وقربه، والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم؛ فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان؛ فإن الآفات قواطع وجواذب، وهي لا تعلو إلى المكان العالي فتجتذب منه، وإنما تجتذب من المكان السافل، فعلو همة المرء عنوان فلاحه، وسفول همته عنوان حرمانه" (٣).

إن المؤمن الصادق صاحب همة عالية في دينه الذي يوصله إلى سعادة دنياه وآخرته، فإذا كانت همم أكثر الناس في أعراض الدنيا وشهواتها فإن همته تنساق إلى الاجتهاد في


(١) أدب الطلب، للشوكاني (ص: ١٢٧).
(٢) الفوائد، لابن القيم (ص: ١٤٤).
(٣) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ١٧١).

<<  <   >  >>