للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبادة ربه التي تبلغه رضوانه وجنته، فلستَ تراه إلا في معرفة علم يبصره بدينه، أو صلاة أو صيام أو قراءة قرآن، وهو في ذلك على دأب وحرص وعناية.

يحكى أن الأسود بن يزيد كان يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال (١).

وكان ثابت البناني يقوم الليل، ويصوم النهار، وكان يقول: ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل (٢).

وكما للمؤمن الصادق همةٌ عالية في فعل الأوامر، فله همة عالية كذلك في ترك النواهي، وهجر السفاسف. قال ابن القيم: " فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها، وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات، وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار، فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش، ولا بالسرقة والخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجل، والنفس المهينة الحقيرة والخسيسة بالضد من ذلك. فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها وهذا معنى قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: ٨٤]. أي: على ما يشاكله ويناسبه … " (٣).

وقال مَعْن بن أَوْس المُزَنِيّ:

لَعَمْرُكَ ما أَهْوَيْتُ كَفِّي لرِيبَةٍ … ولا حَمَلَتْنِي نَحْوَ فاحِشَةٍ رِجْلي

ولا قادَنِي سَمْعِي ولا بَصَرِي لَها … ولا دَلَّنِي رَأْيٌ عَلَيْها ولا عَقْلِي

وأَعْلَمُ أَنِّي لم تُصِبْنِي مُصِيبَةٌ … مِنْ الدَّهْرِ إلاّ قد أَصابَتْ فَتىً قَبْلِي

ولستُ بماشٍ ما حييتُ لمنكرٍ … من الأمرِ لا يمشي إلى مثلهِ مثلِى (٤).


(١) صفة الصفوة، لابن الجوزي (٣/ ٢٣).
(٢) صفة الصفوة، لابن الجوزي (٣/ ٢٦٢).
(٣) الفوائد، لابن القيم (ص: ١٧٧).
(٤) الحماسة البصرية، لأبي الحسن البصري (ص: ١٢٨)، كتاب الصناعتين، لأبي هلال العسكري (ص: ٢٠).

<<  <   >  >>