للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طرق إلى علو الهمة في أمر الآخرة:

إن من الطرق إلى علو الهمة في أمر الآخرة: أن يحيي المسلم قلبه؛ إذ بحياته يقوى عزمه، وبه يصل إلى الحياة الطيبة؛ إذ كلما "كان القلب أتم حياة كانت همته أعلى وإرادته ومحبته أقوى؛ فإن الإرادة والمحبة تتبع الشعور بالمراد المحبوب، وسلامة القلب من الآفة التي تحول بينه وبين طلبه وإرادته، فضعف الطلب وفتور الهمة إما من نقصان الشعور والإحساس، وإما من وجود الآفة المضعفة للحياة، فقوة الشعور وقوة الإرادة دليل على قوة الحياة، وضعفهما دليل على ضعفها، وكما أن علو الهمة وصدق الإرادة والطلب من كمال الحياة، فهو سبب إلى حصول أكمل الحياة وأطيبها؛ فإن الحياة الطيبة إنما تنال بالهمة العالية والمحبة الصادقة والإرادة الخالصة، فعلى قدر ذلك تكون الحياة الطيبة، وأخس الناس حياة أخسهم همة وأضعفهم محبة وطلبًا، وحياة البهائم خير من حياته كما قيل:

نهارُك يا مغرورُ سهوٌ وغَفْلةٌ … وليلُك نومٌ والردىَ لك لازمُ

وتكدحُ فيما سوف تكره غِبَّهُ … كذلك في الدنيا تعيشُ البهائمُ

تُسَر بما يَبلَى وتفرَحُ بالمنى … كما اغترَّ باللذاتِ في النوم حالمُ

والمقصود: أن حياة القلب بالعلم والإرادة والهمة" (١).

ومن الطرق إلى ذلك أيضًا: النظر المتأمِّل إلى زوال الدنيا وقلتها وكدرها، وإلى ذهاب الإنسان عنها ومفارقته لها، فحينما كانت كذلك فإنها ليست أهلاً لأن تعلو همة المؤمن في طلبها؛ فإنه لا "يرضى لنفسه أن يتزود منها إلى دار بقائه وخلوده أخسّ ما فيها وأقله نفعًا إلا ساقطُ الهمة دنيء المروءة، ميت القلب؛ فإن حسرته تشتد إذا عاين حقيقة ما تزوده، وتبين له عدم نفعه له، فكيف إذا كان ترك تزود ما ينفعه إلى زاد يعذب به، ويناله بسببه غاية الألم، بل إذا تزود ما ينفعه وترك ما هو أنفع منه له، كان ذلك حسرة عليه وغبناً" (٢).


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ٢٦٣).
(٢) عدة الصابرين، لابن القيم (١٤/ ٧).

<<  <   >  >>