للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال عون بن عبد الله: " ما أحد يُنزل الموتَ حق منزلته إلا عدَّ غداً ليس من أجله، كم من مستقبل يومًا لا يستكمله، وراجٍ غداً لا يبلغه، إنك لو ترى الأجل ومسيرَه، لأبغضت الأمل وغروره" (١).

أما لو فكرتَ في أمنيات من سبقك إلى القبور من شُّبان اللهو والتقصير، وغادروا الحياة وهم في ريعان شبابهم إلى تلك الدور، هل تظن أنهم يتمنون الرجوع إلى الدنيا لاستكمال شوط الشهوات، وإمتاع النفوس في ميدان الملذات، أم أنهم يتمنون العودة من أجل أن يعملوا صالحًا، ويعدلوا مسير طريقهم، بعد أن ذهبت سكرة لهوهم برؤية ما في قبورهم؟ فها أنت اليوم في أمنياتهم، فاعمل صالحًا قبل أن تتمنى مُناهم فلا تعطاها، وتندم نداماتهم فلا تنتفع بها.

فطوبى لشاب انتهز فرصة شبابه، واغتنم بواكير عمره في طاعة ربه، وتجهز لقواطع العمل قبل حلولها، فما أسعده بالاستظلال في ظل الله تعالى يوم القيامة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد … ) (٢).

نصيحة ابن الجوزي:

وهذه نصائح يقدمها الإمام ابن الجوزي يحث فيها على اقتناص الفرص عمومًا، واغتنام مهلة الأيام بالمبادرة إلى عمل الصالحات، يقول رحمه الله: " فالبدارَ البدار يا أرباب الفهوم؛ فإن الدنيا معبر إلى دار إقامة، وسفر إلى المستقر والقرب من السلطان ومجاورته، فتهيئوا للمجالسة، واستعدوا للمخاطبة، وبالغوا في استعمال الأدب؛ لتصلحوا للقرب من الحضرة، ولا يشغلكم عن تضمير الخيل تكاسل، وليحملكم على الجد في ذلك


(١) مصنف ابن أبي شيبة (٧/ ١٥٩).
(٢) رواه البخاري (١/ ٢٣٤)، ومسلم (٢/ ٧١٥).

<<  <   >  >>