للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تذكركم يوم السباق؛ فإن قرب المؤمنين من الخالق على قدر حذرهم في الدنيا" (١).

وقال أيضًا: " لله در قوم بادروا الأوقات، واستدركوا الهفوات، فالعين مشغولة بالدمع عن المحرمات، واللسان محبوس في سجن الصمت عن الهلكات، والكف قد كفّت بالخوف عن الشهوات، والقدم قد قُيدت بقيد المحاسبات، والليل لديهم يجأرون فيه بالأصوات، فإذا جاء النهار قطعوه بمقاطعة اللذات، فكم من شهوة ما بلغوها حتى الممات، فتيقظْ للحاقهم من هذه الرقدات، ولا تطمعن في الخلاص مع عدم الإخلاص في الطاعات، ولا تؤملن النجاة وأنت مقيم على الموبقات! {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: ٢١].

عجباً لأمنِك والحياةُ قصيرة … وبفقدِ إلفٍ لا تزال تُروّعُ

أفقد رضيتَ بأن تعلَّل بالمنى … وإلى المنية كلَّ يوم تُدفع

لا تخدعنّك بعد طول تجارب … دنيا تغرُّ بوصلها وستُقطع

أحلامُ نوم أو كظل زائل … إن اللبيب بمثلها لا يُخدع

وتزودنَّ ليوم فقرك دائبًا … ألغير نفسك لا أبالك تَجمع

لما علم الصالحون قصر العمر، وحثهم حادي: {وَسَارِعُوا} طووا مراحل الليل مع النهار انتهاباً للأوقات" (٢).

وقال أيضًا: " إخواني، بادروا آجالكم، وحاذروا آمالكم، أما لكم عبرة فيمن مضى أما لكم! ما هذا الغرور الذي قد أمالكم، ستتركون على رغم آمالِكم مالَكم.

إخواني، صدَّقتم الأمل فكذّبكم، وأطعتم الهوى فعذّبكم، أما أنذركم السقم بعد الصحة، والترحة بعد الفرحة، في كل يوم يموت من أشباحكم ما يكفي في نعي


(١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٢٣٤).
(٢) التبصرة، لابن الجوزي (١/ ٤٣).

<<  <   >  >>