للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أرواحكم، ويحل بعقر داركم وفِنائكم ما يخبركم عن شتاتكم وفَنائكم، فخذوا حذركم قبل النوائب، فقد أُتيتم من كل جانب، وتذكروا سهر أهل النار في النار واحذروا فوت دار الأبرار، وتخوفوا يوم الفصل بين الفريقين أن يصيبكم من البَيْن البين" (١)

وقال أيضًا: " فاللهَ الله، بادروا العمر اليسير، والأجل القصير، قبل نزول ملك الموت بالهول العظيم الكبير؛ فالموت يقصم الأصلاب، ويقطع الرقاب، ويرد كل مخلوق إلى التراب، ويقرب المؤمن الطائع إلى جنة المآب، ويسوق الفاجر العاصي إلى أليم العذاب، فتفكروا في الموت يا أهل الفناء والذهاب" (٢).

وقال أيضًا: " فاللهَ الله في مواسم العمر، والبدار قبل الفوات، واستشهدوا العلم، واستدلوا الحكمة، ونافسوا الزمان، وناقشوا النفوس، واستظهروا بالزاد، فكأنْ قد حدا الحادي فلم يفهم صوته إلا من وقّع بدمع الندم" (٣).

وقال أيضًا: " طوبى لمن بادر عُمره القصير، فعمَّر به دار المصير، وتهيأ لحساب الناقد البصير، قبل فوات القدرة وإعراض النصير، قال عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأَعمال سبعاً؛ هل تنتظرون إِلّا فقراً مُنسياً؟ أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو موتاً مجهزاً، أو هرماً مُفنداً (٤)، أو الدجال، فشرُّ غائب يُنتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر) (٥). كان الحسن يقول: عجبت لأقوام أُمروا بالزاد، ونُودي فيهم بالرحيل، وجلس أولهم على آخرهم وهم يلعبون، وكان يقول: يا بن آدم، السكين تُشحذ، والتنور يسجر، والكبش يعتلف!! وقال أبو حازم: إن بضاعة الآخرة كاسدة، فاستكثروا منها في أوان كسادها؛


(١) المدهش، لابن الجوزي (ص: ٢٨٥).
(٢) بستان الواعظين ورياض السامعين، لابن الجوزي (ص: ١٤٥).
(٣) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ١٠٥).
(٤) مفندا: أي موقعاً في الكلام المحرّف عن سنن الصحة من الخرف والهذيان. التيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوي (١/ ٨٧٥).
(٥) رواه الترمذي (٤/ ٥٥٢)، والحاكم (٤/ ٣٥٦)، وهو ضعيف.

<<  <   >  >>