للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإِنه لو جاء وقت نَفاقها لم تصلوا فيها إِلى قليل ولا كثير" (١).

وقال ابن الجوزي أيضًا: " يا نفس، بادري بالأوقات قبل انصرامها، واجتهدي في حراسة ليالي الحياة وأيامها، فكأنك بالقبور وقد تشققت، وبالأمور وقد تحققت، وبوجوه المتقين وقد أشرقت، وبرؤوس العصاة وقد أَطرقت، يا نفس، أما الورعون فقد حذروا، وأما الخائفون فقد استعدوا، وأما الصالحون فقد راحوا، وأما الواعظون فقد صاحوا. يا نفس، اتعبي قليلاً تستريحي في الفردوس كثيراً، كأنك بالتعب قد انقضى، وبحرصك من اللعب قد مضى، وثمر الصبر قد أثمر حلاوة الرضا، لا يطمعن البطّال في إدراك الأبطال، هيهات أن يدرك البطلَ المجتهدَ، مَنْ غاب حين النزال فما شهِد .. أيها العبد، إن عزمت فبادر، وإن هممت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المَفاخر، من كان في الصف الآخر، سلع المجد كاسدة، وكأنْ قد غلت، ومراعي الفضل قريبة، وكأن قد علت، وكأنك بغايات الغفلات قد انجلت، فأصبحت حلاوة البطالة من أفواه الغافلين قد رحلت، وأصبحت رايات المجاهدين قد حلت، وتفاوت في السباق مضمار وبطين، كما تفاوت في الإحراق ماء وطين:

لا تَحسَبِ المجدَ تَمراً أَنْتَ آكِلُهُ … لا تَبلُغ المجدَ حَتى تَلعَق الصَبرا" (٢).


(١) مواعظ ابن الجوزي (ص: ٣).
(٢) مواعظ ابن الجوزي (ص: ٩).

<<  <   >  >>