للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَزِنُون بها الأمور، وأيها أحق بالإيثار؟. أفليست الدنيا -من أولها إلى آخرها- لا نسبة لها في الآخرة. فما مقدار عمر الإنسان القصير جداً من الدنيا حتى يجعله الغاية التي لا غاية وراءها، فيجعل سعيه وكده وهمه وإرادته لا يتعدى حياته الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار، المشحونة بالأخطار. فبأي رَأْيٍ رأيتم إيثارها على الدار الآخرة الجامعة لكل نعيم، التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون، فواللّه ما آثر الدنيا على الآخرة من وقر الإيمان في قلبه، ولا من جزل رأيه، ولا من عُدَّ من أولي الألباب" (١).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بمَ يرجع) (٢).

وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: "الدنيا قليل، فلْيضحكُوا فيها ما شاءوا، فإذا انقطعتِ الدنيا وصاروا إلى الله تعالى استأنفوا بكاءً لا ينقطعُ أبدًا" (٣).

متاع قليل منغَّص:

فمهما أُعطي الإنسان من لذات الدنيا وأسباب الفرح بها فإنها متاع قليل، عما قريب سيذهب عن الإنسان، أو يذهب عنه الإنسان، قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ} [القصص: ٦٠]. "أي: فهو شيء شأنه أن يتمتع ويتزين به أيامًا قلائل، وما عند الله -وهو الثواب- خير في نفسه من ذلك؛ لأنه لذة خالصة عن شوائب الألم، وبهجة كاملة عارية عن سمة الهم، وأبقى؛ لأنه أبدي. {أفلا تعقلون} ألا تتفكرون فلا تعقلون هذا الأمر الواضح فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير" (٤).


(١) تفسير السعدي (ص: ٣٣٧).
(٢) رواه مسلم (٤/ ٢١٩٣).
(٣) الدر المنثور، للسيوطي (٤/ ٢٥٦).
(٤) تفسير أبي السعود (٧/ ٢٠).

<<  <   >  >>