للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل؛ فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبِرة، ألا وإن الآخرة قد ترحلت مقبِلة، ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل" (١). وقال بعضُ الحكماء: "عجبتُ ممَّنِ الدُّنيا موليةٌ عنه، والآخرة مقبلةٌ إليه يشتغلُ بالمدبرة، ويُعرِض عن المقبلة! " (٢). وقال ابن الجوزي في مواعظه: "أيها العبد، تناهَ عن قبيح فعلك، قبل انبثاث جهلك، وانظر لنفسك في أمرك، قبل حلولك في قبرك. كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فكأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل. ووعظ أعرابي ابنه فقال: لا الدهر يعظك، ولا الأيَّام تنذرك، والساعات تعد عليك، والأنفاس تعد منك، أحب أمريك إليك أردهما بالمضرة عليك. ووجد على حجر مكتوب: ابنَ آدم، لو رأيتَ ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك، ولرغبتَ في الزيادة في عملك، ولقصَّرت من جهلك وحِيلك، وإنما يلقاك ندمُك إذا زلّتْ قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، وباعدك الولد القريب، ورفضك الولد والنسيب، فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حسناتك زائد، فاعمل ليوم القيامة، قبل الحسرة والندامة" (٣). وقال ذو النون المصري: ثلاثة من أعلام حب الآخرة: كثرة البكاء، والذكر لها، ودوام الشوق إليها، وبغض الدنيا من أجلها (٤).

حسن القصدة منجاة:

وليكن مع عملك للآخرة خوفٌ وحذر، لا عجب ولا غرور، ولا ركون ولا أمان؛ فالقلوب بيد الله، وقبول العمل لا يعلمه إلا هو، فاهتم بحسن القصد، وصحة القلب؛ فإن


(١) حلية الأولياء، لأبي نعيم (١/ ٧٦).
(٢) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (٤٢/ ٣).
(٣) مواعظ ابن الجوزي (ص: ١٦).
(٤) الزهد الكبير، للبيهقي (ص: ٧١).

<<  <   >  >>