للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سلامته طريق إلى العمل الخالص للآخرة، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر: ٩]. قال ابن كثير: " وقوله تعالى: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} أي: في حال عبادته خائف راجٍ، ولا بد في العبادة من هذا وهذا، وأن يكون الخوف في مدة الحياة هو الغالب؛ ولهذا قال تعالى: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} " (١). قال ابن القيم: " وكلما صح القلب من مرضه ترحّل إلى الآخرة، وقرب منها، حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتل آثرَ الدنيا واستوطنها، حتى يصير من أهلها" (٢).

وتذكّر الوقوفَ بين يدي الله للمسألة والحساب في ذلك اليوم، واحضرِ الأحوال المذكّرة لك بالآخرة؛ فإن ذلك من أعظم ما يحث سيرك إلى العمل والاستعداد.

قال الفضيل لرجل: "كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة، قال له: أنت من ستين سنة تسير إلى ربك! يوشك أن تبلغ، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل: من علم أنه لله عبد، وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف، وأنه مسؤول، فليعد للمسألة جوابًا، فقال له الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال: ماهي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي" (٣). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عُودُوا الْمَرضى، وَامْشُوا مَعَ الْجَنَائِزِ تُذَكِّرْكُمُ الْآخِرَةَ) (٤).

اعرف حقيقة الدنيا:

إن أعظم ما يعلِّق قلب الإنسان بالآخرة، ويجعله يستعد لها، ويسارع إلى أعمالها: أن


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٥٩).
(٢) إغاثة اللهفان، لابن القيم (١/ ٧١).
(٣) لطائف المعارف، لابن رجب (ص: ١٠٨).
(٤) رواه أحمد (١٧/ ٢٧٤)، وابن حبان (٧/ ٢٢١)، وهو صحيح.

<<  <   >  >>