للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تنال عمل الآخرة بشيء أفضل من الزهد في الدنيا" (١). وقال الحسن: "يا ابن آدم، بعْ دنياك بآخرتك تربحهما جميعًا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعًا (٢).

القلب هناك:

فيا سعد من كان من أبناء الآخرة، ولم يكن من أبناء الدنيا، فاستعد لدار القرار، وانقطع لها بهمِّه وفكره وعمله، فأصبح في الدنيا بجسده وفي الآخرة بروحه، فعافَ هذه الحياة الفانية وهجرها، وأحب تلك الدار الباقية وهاجر بقلبه إليها، قال ابن القيم: " فإن من استعد للقاء الله انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها، وخمدت من نفسه نيران الشهوات، وأخبت قلبه إلى الله، وعكفت همته على الله وعلى محبته وإيثار مرضاته، واستحدثت همة أخرى وعلومًا أُخر، ووُلِد ولادة أخرى تكون نسبة قلبه فيها إلى الدار الآخرة كنسبة جسمه إلى هذه الدار بعد أن كان في بطن أمه، فيولد قلبه ولادة حقيقية كما ولد جسمه حقيقة، وكما كان بطن أمه حجابًا لجسمه عن هذه الدار فهكذا نفسه وهواه حجاب لقلبه عن الدار الآخرة، فخروج قلبه عن نفسه بارزاً إلى الدار الآخرة كخروج جسمه عن بطن أمه بارزاً إلى هذه الدار، وهذا معنى ما يذكر عن المسيح أنه قال: يا بني إسرائيل، إنكم لن تلجوا ملكوت السماء حتى تولدوا مرتين" (٣).


(١) الزهد لوكيع (١/ ٥).
(٢) البيان والتبيين، للجاحظ (ص: ٤٥٠).
(٣) طريق الهجرتين، لابن القيم (ص: ٢٧٦).

<<  <   >  >>