للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فساد العقيدة والنية، الإصرار على عظائم الذنوب، الاستمرار على كثرة الخطايا من غير توبة، الإقبال الكثير على الدنيا والغفلة عن الآخرة.

وتفصيل ذلك من كلام أهل العلم كالآتي:

قال أبو محمد الإشبيلي: " واعلم رحمك الله أن لسوء الخاتمة -أعاذنا الله منها- أسباباً، ولها طرق وأبواب: أعظمها: الإكباب على الدنيا والإعراض عن الأخرى، والإقدام بالمعصية على الله تعالى.

وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ونوع من المعصية، وجانب من الإعراض ونصيب من الافتراء، فملك قلبه وسبى عقله، وأطفأ نوره، وأرسل عليه حجبه، فلم تنفع فيه تذكرة، ولا نجعت فيه موعظة، فربما جاءه الموت على ذلك، فسمع النداء من مكان بعيد فلم يتبين المراد، ولا علم ما أراد وأن أعاد عليه وأعاد.

واعلم أن سوء الخاتمة -أعاذنا الله منها- لا يكون لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه، وإنما يكون ذلك لمن كان له فساد في العقل، وإصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة، ويثب عليه قبل الإنابة، ويأخذه قبل إصلاح الطوية، فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله ثم العياذ بالله أن يكون لمن كان مستقيمًا لم يتغير عن حاله ويخرج عن سنته، ويأخذ في غير طريقه فيكون ذلك سببا لسوء الخاتمة وشؤم العاقبة، والعياذ بالله {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: ١١].

وقد سمعت بقصة بلعام بن باعوراء وما كان آتاه الله من آياته وأطلعه عليه من بيناته، وما أراه من عجائب ملكوته، أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فسلبه الله سبحانه جميع ما أعطاه، وتركه مع من استماله وأغواه" (١) (٢).


(١) العاقبة في ذكر الموت، للإشبيلي (ص: ١٧٨).
(٢) قال ابن حجر في شرح حديث ابن مسعود: (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة … ): " وفيه الحث على الاستعاذة بالله تعالى من سوء الخاتمة، وقد عمل به جمع جم من السلف وأئمة الخلف، وأما ما قال عبد الحق في " كتاب العاقبة ": إن سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره، وإنما يقع لمن في طويته فساد أو ارتياب، ويكثر وقوعه للمصر على الكبائر والمجترئ على العظائم فيهجم عليه الموت بغتة فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة، فقد يكون ذلك سببًا لسوء الخاتمة نسأل الله السلامة؛ فهو محمول على الأكثر الأغلب". فتح الباري لابن حجر (١٨/ ٤٣٧).

<<  <   >  >>