للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والآخرة، فمن ذلك الخير:

أولاً: الحصول على نعمة الأُنس بالله تعالى، وامتلاء القلب بمحبته، وما أعظمها من نعمة يوم يجد العبد الأنس بربه في خلوته وجلوته فلا يجد بينه وبينه وحشة تكدر عليه حاله حتى تمنعه من كثرة التقرب إليه والتلذذ بطاعته. وما ذلك الأنس وعدم الاستيحاش إلا أثر امتلاء القلب بمحبته تبارك وتعالى، فإنْ أنِس الناسُ بأحبابهم حينما يجتمعون، ويستوحشون حين يفترقون، فإن القلب المملوء بحب الله يجعل صاحبه يرى أنسه وراحته حينما يخلو بمناجاة ربه صلاةً ودعاء وتفكراً، فلا يجد في تلك الوحدة وحشة كما تجدها القلوب الفارغة من محبة ربها. قال الحسن: "من عرف ربه أحبه، ومن عرف الدنيا زهد فيها" (١).

وقال هرم بن حيان: "المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه، وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة، ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة" (٢).

ثانيًا: نيل اللذة، ووجدان حلاوة الإقبال على الله تعالى، فلذاتُ شهوات الدنيا لذاتٌ مكدَّرة، وهي إحساس مؤقت لا يدوم، غير أن اللذة الناتجة عن معرفة الله لذة غير مكدرة، وهي مستمرة ما استمرت المعرفة، ومن زادت معرفته زادت لذته.

قال ذو النون بن إبراهيم المصري: " من عرف ربه وجد طعم العبودية، ولذة الذكر والطاعة، فهو بين الخلق ببدنه قد نأى عنهم بالهموم والخطرات" (٣).

وقال الغزالي: " اعلم أن سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه، وطبع كل شيء ما خُلق له؛ فلذة العين في الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة،


(١) إحياء علوم الدين، للغزالي (٤/ ٢٩٥).
(٢) المرجع السابق (٤/ ٢٩٦).
(٣) الزهد الكبير، للبيهقي (ص: ١١١).

<<  <   >  >>