للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة. ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ لأنه مخلوق لها. وكلُّ ما لم يعرفه ابن آدم إذا عرفه فرِحَ به .. وكذلك إذا وقع في معرفة الله سبحانه وتعالى، وفرح بها، ولم يصبر عن المشاهدة؛ لأن لذة القلب المعرفة. وكلما كانت المعرفة أكبر كانت اللذة أكبر؛ ولذلك فإن الإنسان إذا عرف الوزير فرح، ولو عرف الملك لكان أعظم فرحاً. وليس موجوداً أشرف من الله سبحانه وتعالى؛ لأن شرف كل موجود به ومنه، وكل عجائب العالم آثار صنعته؛ فلا معرفة أعز من معرفته، ولا لذة أعظم من لذة معرفته " (١).

وهذه اللذة هي أعلى اللذات وأرفعها، ولا ينالها إلا أشرف الناس وأرفعهم عند الله، قال ابن القيم: " لذة كل أحد على حسب قدره وهمّته وشرف نفسه، فأشرف الناس نفسًا وأعلاهم همّا وأرفعهم قدراً مَنْ لذته في معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه، والتودد إليه بما يحبه ويرضاه، فلذته في إقباله عليه، وعكوف همته عليه، ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله" (٢).

ثالثًا: الرضا بقضاء الله وقدره، فمن عرف الله تعالى وعلم به لم يتسخط قضاءه وقدره، ولم يتضجر مما نزل به من المكاره، بل يقابل ذلك كله بالرضا والتسليم؛ لأنه يعلم أن أفعال مَنْ عرفه سبحانه كلها حميدة، وأقضيته كلها عدل وحكمة.

قال ابن الجوزي: " إن الرضى من جملة ثمرات المعرفة، فإذا عرفته رضيت بقضائه، وقد يجري في ضمن القضاء مراراتٌ يجد بعض طعمها الراضي. أما العارف فتقل عنده المرارة، لقوة حلاوة المعرفة. فإذا ترقى بالمعرفة إلى المحبة، صارت مرارة الأقدار حلاوة، كما قال القائل:


(١) كيمياء السعادة، للغزالي (ص: ٥).
(٢) الفوائد، لابن القيم (ص: ١٥٠).

<<  <   >  >>