للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها: إن كان أهل الجنة في هذه الحال إنهم لفي عيش طيب. وقال آخر: لَتمرُّ على القلب أوقات يرقص فيها طربًا. وليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم الإيمان والمعرفة" (١).

وقال ابن القيم: "فاللذة التامة والفرح والسرور وطيب العيش والنعيم إنما هو في معرفة الله وتوحيده، والأنس به والشوق إلى لقائه واجتماع القلب والهمّ عليه؛ فإن أنكد العيش عيش من قلبه مشتت وهمه مفرّق، فليس لقلبه مستقر يستقر عنده، ولا حبيب يأوي إليه ويسكن إليه؛ كما أفصح القائل عن ذلك بقوله:

وما ذاق طعمَ العيشِ من لم يكن له … حبيبٌ إليه يطمئن ويسكُنُ

فالعيش الطيب والحياة النافعة وقرة العين في السكون والطمأنينة إلى الحبيب الأول، ولو تنقل القلب في المحبوبات كلها لم يسكن ولم يطمئن إلى شيء منها، ولم تقر به عينه حتى يطمئن إلى إلهه وربه ووليه الذي ليس له من دونه ولي ولا شفيع، ولا غنى له عنه طرفة عين؛ كما قال القائل:

نقِّلْ فؤادَك حيث شئتَ من الهوى … ما الحب إلا للحبيب الأولِ

كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى … وحنينه أبداً لأولِ منزلِ

فاحرص أن يكون همك واحداً، وأن يكون هو الله وحده، فهذا غاية سعادة العبد، وصاحب هذه الحال في جنة معجلة قبل جنة الآخرة، وفي نعيم عاجل، كما قال بعض الواجدين: إنه ليمر بالقلب أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب … وليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم أهل الجنة إلا هذا؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حُبب إليّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) (٢). فأخبر أنه حبب إليه من الدنيا شيآن: النساء والطيب، ثم قال: وجعلت قرة عيني في الصلاة. وقرة


(١) مجموع الفتاوى (٢٨/ ٣١).
(٢) رواه أحمد (١٩/ ٣٠٥)، والنسائي (٧/ ٦١)، والحاكم (٢/ ١٧٤)، وهو صحيح.

<<  <   >  >>