للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاستزادة من العمل والقرب، وعدم القناعة بما يقدِّم من الأعمال، ولا يجعله ناظراً إلى نفسه بعين الرضا فيكسل ويبطئ في طريقه إلى ربه. فمن " تحقق بالعبودية نظر أفعاله بعين الرياء، وأحواله بعين الدعوى، وأقواله بعين الافتراء، وكلما عظم المطلوب في قلبك صغرت نفسك عندك، وتضاءلت القيمة التي تبذلها في تحصيله، وكلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله وعرفت النفس وتبين لك أن ما معك من البضاعة لا يصلح للملِك الحق ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته، وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه أيضًا بكرمه وجوده وتفضله" (١).

الطريق إلى معرفة الله:

إن معرفة الله تعالى لما كانت بهذه المنزلة من الشرف والأثر؛ كان جديراً بالعاقل أن يبحث عن الطريق إلى تحصيلها وتكريم نفسه بنيلها وجعله من أهلها، فمن طرق ذلك:

أولاً: معرفة الإنسان حقيقة نفسه؛ فمعرفة النفس بالعيوب والنقائص والحاجات طريق إلى معرفة الله بنعوت الكمال، وصفات الجلال والجمال، وحسن الفعال، فمن عرف نفسه بالجهل المطلق عرف ربه بالعلم المطلق، ومن عرف نفسه بالفقر المطلق، عرف خالقه بالغنى المطلق، ومن عرف نفسه بالضعف المطلق عرف بارئه بالقوة المطلقة، ومن عرف نفسه بالعجز المطلق عرف الله تعالى بالقدرة المطلقة، وهكذا في بقية الصفات. فـ"من لم يعرف نفسه كيف يعرف خالقه؟ " (٢).

فـ" مفتاح معرفة الله تعالى هو معرفة النفس، كما قال سبحانه وتعالى: {سَنُريهِم آياتِنا في الآفاقِ وَفي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ} … وليس شيء أقرب إليك من نفسك، فإذا لم تعرف نفسك، فكيف تعرف ربك؟ .... فالواجب عليك أن تعرف نفسك بالحقيقة؛ حتى تدرك أي شيء أنت، ومن أين جئت إلى هذا المكان، ولأي شيء خلقت، وبأي شيء


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (١/ ١٧٦).
(٢) المرجع السابق (ص: ١٧٨).

<<  <   >  >>