للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتسع لمزاحمة أحد لحب مولاه، ولا لديه رغبة للانتقال إلى حب ما سواه. قال ابن القيم: " وقال بعض المحبين: إن حبه عز وجل شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره، فليس لهم في الدنيا مع حبه عز وجل لذة تداني محبته، ولا يؤملون في الآخرة من كرامة الثواب أكبر عندهم من النظر إلى وجه محبوبهم" (١).

وقال أيضًا: " ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدِّم عليه حبًّا لغيره، ولا أُنسًا به" (٢).

رابعًا: دوام ذكره، وعدم الغفلة عنه؛ حتى كأن المحبة قد تغلغلت في المحب فكانت جزء من حياته، فصار المحبوب سبحانه حيَّ الذكر لدى المحب ما بقيت في المحب حياة.

قال ابن القيم: " لو صحت محبتك لاستوحشت ممن لا يذكِّرك بالحبيب، واعجبًا لمن يدعى المحبة ويحتاج إلى من يذكره بمحبوبه، فلا يذكُرُه إلا بمذكِّر! أقل ما في المحبة أنها لا تنسيك تذكر المحبوب.

ذكرتُك لا أني نسيتُك ساعةً … وأيسرُ ما في الذِّكر ذِكرُ لساني

إذا سافر المحب للقاء محبوبه ركبت جنوده معه، فكان الحب في مقدمة العسكر، والرجاء يحدو بالمطي، والشوق يسوقها، والخوف يجمعها على الطريق، فإذا شارف قدوم بلد الوصل خرجت تقادم الحبيب باللقاء.

فداوِ سُقمًا بجسمٍ أنت مُتْلِفُهُ … وابردْ غرامًا بقلبٍ أنت مُضرمُهُ

ولا تكلني على بُعد الديار إلى … صبري الضعيفِ فصبري أنت تَعلمُهُ

تلقَّ قلبي فقد أرسلتُه عجِلاً … إلى لقائك والأشواقُ تَقدُمهُ


(١) روضة المحبين، لابن القيم (ص: ١٦٧).
(٢) إغاثة اللهفان، لابن القيم (٢/ ١٩٨).

<<  <   >  >>