واختلف العلماء في المراد بهذه الجماعة التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأحاديث, وما في معناها بملازمتها.
وقد أجمل الشاطبي -رحمه الله- ذلك في خمسة أقوال:
الأول: أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، فالسواد الأعظم هم الناجون من الفِرَق، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق، ومن خالفهم مات ميتة جاهلية، سواء خالفهم في شيء من الشريعة أو في إمامهم وسلطانهم، فهو مخالف للحق.
وممن قال بهذا: أبو مسعود الأنصاري, وابن مسعود. فروي أنه لما قتل عثمان -رضي الله عنه- سئل أبو مسعود الأنصاري عن الفتنة، فقال: عليك بالجماعة، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على ضلالة، واصبر حتى تستريح أو يستراح من فاجر. وقال ابن مسعود: عليكم بالسمع والطاعة؛ فإنها حبل الله الذي أمر به ثم قبض يده وقال: إن الذي تكرهون في الجماعة خير من الذي تحبون في الفرقة.
فعلى هذا القول: يدخل في الجماعة مجتهدو الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها. ومن سواهم داخلون في حكمهم؛ لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم، فكل من خرج عن جماعتهم فهم الذين شذّوا، وهم نهبة الشيطان، ويدخل في هؤلاء الخارجين عن الجماعة جميع أهل البدع؛ لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة، لم يدخلوا في سوادهم بحال.