وإذا كانت العقيدة هي أصل البناء وأساسه، فإن الشريعة تنبثق عن هذا الأصل وتقوم عليه، بحيث يكون كل حكم من أحكام السلوك الإنساني في أي جانب من جوانب الحياة, متفرعا عن أصل من أصول العقيدة والإيمان، ومرتبطا به، فلا قيمة ولا استقرار لشريعة أو نظام لا يستند على أساس متين، كما أنه لا جدوى من أساس ما لم نرفع فوقه بناء قويا محكما.
وهكذا تتعانق العقيدة والشريعة لتكونا -معا- هذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به، وإن كان أحد الجانبين أعظم أهمية من الجانب الآخر، فإن العقيدة هي الجانب الأعظم الذي أولاه الإسلام عنايته الكبرى أولا في مكة المكرمة، وهي مرحلة الإعداد والتكوين والتربية للأمة التي أراد الله تعالى إخراجها للناس لتكون "خير أمة", ولتكون "الأمة الوسط" التي تشهد على سائر الأمم. ثم استمر الحديث عن هذه العقيدة عندما بدأت الأحكام التفصيلية تتنزل على هذه الأمة في "المدينة"، بعد أن أصبح لها وجود فعلي وكيان مستقل، بل كانت العقيدة هي الروح الذي يسري في هذه الأحكام, فيهبها الحياة النابضة المتحركة١.
"ولهذا, فإن هذه الأحكام عرضت من خلال العقيدة، وفي سياق ما يتصل بها من شعب الإيمان ومستلزمات الطاعة والعبادة، حتى في أشد المسائل التصاقا بالبعد المادي عند الإنسان أو نزعته الحسية، كاللباس والطعام والشراب والتناسل ... مما يظهر أثره في حياة الإنسان وسلوكه، ويدخل في ثقافته في نهاية المطاف.