لم يكن الجيل الأول من الصحابة -رضوان الله عليهم- بحاجة إلى تدوين العلوم في العقيدة والشريعة وغيرهما، فقد كانوا يتلقون من النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة كل ما يتعلق بأمر الدين والدنيا، والقرآن الكريم يتنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- حسب الحاجات والوقائع، كما نجد ذلك واضحا صريحا في الآيات والسور التي أنزلت بعد الغزوات أو الحوادث التي كان لها أثرها في بناء المجتمع، أو في أعقاب سؤال أو استفتاء عن قضية معينة لمعرفة حكم الله فيها، ينزل القرآن فيصقل النفوس ويزكيها، ويربي الأمة، ويعالج ما يطرأ من مشكلات، ويجيب على ما ينشأ من تساؤلات، ويحمل المؤمن على الالتزام بالأوامر الإلهية دون تردد أو تلكؤ؛ ليحققوا بذلك مقتضى إيمانهم، فيتم التفاعل الكامل مع النصوص الشرعية, قرآنا ناطقا، وسنة حادثة.
وكان الجيل الأول على عقيدة نقية صافية، ببركة صحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقرب العهد بزمانه، ولِمَا فُطروا عليه من سليقة تمكنهم من الفهم بعد التلقي، فالقرآن الكريم يتنزل بلغتهم التي يفهمونها وتجري على ألسنتهم كما يجري الدم في عروقهم، مما جعلهم جميعهم على عقيدة واحدة لا يختلفون فيها، رغم ما قد يقع من خلاف في أحكام فرعية تشريعية.