وهذه الخاصية نجدها بارزة واضحة في الإسلام الذي رضيه الله تعالى لنا دينا، فهو دين شامل كامل، لم يترك جانبا من جوانب الحياة الفردية والاجتماعية إلا وقد نظّمه تنظيما دقيقا شاملا لجميع النواحي، يبتعد به عن النظرة التجزيئية القاصرة التي ترى فيها الأشياء أجزاء وتفاريق لجوانب موزعة من شيء أصله متكامل مترابط.
ولذلك فإن العقيدة الإسلامية -كأثر لهذا الشمول العام في الإسلام- عقيدة شاملة فيما تقوم عليه من أركان الإيمان وقواعده وما يتفرع عن ذلك، وشاملة في نظرتها للوجود كله، تعرفنا على الله والكون والحياة والإنسان معرفة صحيحة شاملة.
وتتمثل خاصية الشمول هذه في صور شتى١:
إحدى هذه الصور وأكبرها: رد هذا الوجود كله ... بنشأته ابتداء، وحركته بعد نشأته، وكل انبثاقة فيه، وكل تحور وكل تغير وكل تطور، والهيمنة عليه وتدبيره وتصريفه وتنسيقه ... إلى إرادة الذات الإلهية المطلقة المشيئة، المبدعة لهذا الكون ولكل شيء فيه ... بقدر خاص وبمجرد توجه الإرادة ... وآيات القرآن الكريم كلها شاهد ناطق بذلك.
وصورة أخرى من صور خاصية الشمول تبدو في الحديث عن حقيقة العبودية وخصائصها وصفاتها، ممثلة في عبودية الكون والحياة والإنسان، فيبين طبيعتها ونشأتها وأحوالها وعلاقتها فيما بينها، ثم علاقتها بالحقيقة الإلهية الكبرى. ويربط بين مجموع تلك الحقائق من جميع جوانبها، في تصور واحد منطقي فطري، يتعامل مع بديهة الإنسان وفكره ووجدانه، ومع مجموع الكينونة البشرية في يسر وسهولة. وهذا أمر بيّن في كتاب الله تعالى والآيات فيه كثيرة.
وصورة ثالثة من صور الشمول في العقيدة الإسلامية: أن الحديث عن تلك الحقائق الكلية السابقة، إنما يأتي في القرآن الكريم بأسلوب يخاطب فيه الكينونة الإنسانية بكل جوانبها وبكل أشواقها، وبكل حاجاتها، وبكل اتجاهاتها. ويردها إلى جهة واحدة تتعامل معها، وتتوجه إليها بكل شيء ... لأنها خالقة كل شيء ومالكة كل شيء ومدبرة كل شيء. وعندئذ تتجمع هذه الكينونة شعورا وسلوكا وتصورا واستجابة ... في شأن العقيدة والمنهج وفي شأن الاستمداد والتلقي، وشأن الموت والحياة، وشأن السعي والحركة، وشأن الدنيا والآخرة.
١ عن: "خصائص التصور الإسلامي" للأستاذ سيد قطب -رحمه الله- ص١١٠ وما بعدها، باختصار.