القرآن الكريم هو كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور البصائر والأبصار، فلا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه. وهذا كله معلوم من الدين علما ضروريا لا يحتاج إلى استدلال عليه١.
وقد أوفى القرآن الكريم على الغاية في بيان العقيدة وتصحيحها في النفوس، على أتم وجه وأكمله، وبخاصة في السور المكية، إجمالا وتفصيلا. وكان أول ما أُنزل وحيا على رسول الله، هو سورة العلق:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق ... } وهي تتضمن أصول الدين والعقيدة من الأدلة العقلية والفطرية والشرعية على وجود الله تعالى وتوحيده، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وإثبات البعث.
وفي سائر سور القرآن الكريم، نجد السورة الواحدة تجمع أركان العقيدة بأصول عامة تبين أركان الإيمان -وأعظمها الإيمان بالله تعالى- وما يتفرع عن هذه الأركان وينضم إليها، أو يكون من مقتضياتها ومستلزماتها، وتضع -كذلك- الإجابة الصحيحة الحاسمة على الأسئلة التي تفسر للإنسان أصل وجوده ونشأته، وغايته التي يسعى إليها، والمصير الذي ينتهي إليه بعد رحلته في هذه الحياة، وتحدد علاقته بالله تعالى وبالكون وبالحياة والأحياء من حوله.
يقول الإمام الشاطبي، رحمه الله:
"وغالب السور المكية تقرر ثلاثة معانٍ، أصلها معنى واحد، وهو الدعاء