ألمعنا -فيما سبق- إلى وجوب لزوم السنة والجماعة، وتعرفنا على معناهما، وعلى وجه تسمية الفرقة الناجية باسم "أهل السنة والجماعة"، مما لا نجد حاجة لإعادته هنا. ولذلك نكتفي بالإشارة إلى أن هذا الالتزام بالسنة والجماعة والاعتصام
بهما هو من أعظم وأهم سمات الفرقة الناجية، وأما السمة الثانية التي تتبعها ونخصها بالذكر في هذه الفقرة فهي: الوسطية بين الفرق الأخرى.
والوسطية تعني الاعتدال والتوازن بين أمرين, أو طرفين فيهما إفراط وتفريط أو غلو وتقصير. وهذه الوسطية إذن هي العدل والطريق الأوسط الذي تجتمع عنده الفضيلة.
وأهل السنة والجماعة يتميزون بالوسطية والاعتدال بين الفرق الأخرى التي تقف على طرفي نقيض، فتتجه إحداهما لأقصى اليمين مثلا وتقف الأخرى في أقصى اليسار.
وتظهر هذه الوسطية في أبواب الاعتقاد ومسائله بعامة، نجتزئ منها بجملة أمثلة تشير إلى سائرها١:
أ- ففي أسماء الله الحسنى وصفاته العظمى؛ يؤمن أهل السنة والجماعة بكل ما وصف الله تعالى به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبجميع الأسماء الحسنى التي بلغت الغاية في الحسن والكمال والتنزيه، يؤمنون بذلك كله من غير تحريف لمعناها أو نفي لها، ومن غير تكييف ولا تمثيل، حيث لا يعينون كنه الصفة وكيفيتها مما استأثر الله تعالى بعلمه، ولا يمثلونها أو يشبهونها بصفات المخلوقين.
وبذلك يكون أهل السنة والجماعة وسطا بين أهل التعطيل والنفي الذين يلحدون في أسماء الله وآياته، ويعطلون حقائق ما وصف الله به نفسه، حتى
١ انظر بالتفصيل: "الوصية الكبرى"، ص٥٢-٥٥، "شرح العقيدة الواسطية"، للهراس ص٢٠-٣٢، "التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية" ص١٩١-٢٠٤، "شرح العقيدة الطحاوية" ص٢١٦ وما بعدها، "٤٦٧" وما بعدها.