للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تعريف الإيمان في الاصطلاح الشرعي]

وفي الاصطلاح الشرعي كثيرا ما ترد كلمة الإيمان ويراد بها المعنى اللغوي نفسه، فتطلق على مطلق التصديق، سواء كان تصديقا بحق أو باطل. وكثيرا ما يراد بها معنى أخص صار في العرف الشرعي حقيقة جديدة، فيراد بها خصوص التصديق بخبر السماء المنزل على الأنبياء.

وضابط ذلك: أن ننظر في استعمالها، فإن كانت متعلقة بشيء بأن قيل: إيمان بكذا؛ كانت بمعناها اللغوي البحت، أي: مطلق التصديق١، وأما إذا ذكرت بدون متعلق فالمراد بها تلك الحقيقة الشرعية الخاصة، وهي التصديق بالحق والانقياد إليه.

وعندئذ, فالإيمان عبارة عن ثلاثة أشياء ٢:

الأول: هو الجزء الذي لا غنى عنه بحال -وإذا عدم عدمت حقيقة الإيمان- وهو "الاعتقاد" أي: العلم الجازم بكل ما ثبت بالضرورة أنه جاء من عند الله تعالى على لسان رسوله، ولا بد من اليقين الجازم من الرضا والارتياح النفسي لهذه العقيدة. فإذا تحقق هذا الجزء الأول فقد وجد أساس الإيمان.

الثاني: إعلان هذه العقيدة بالقول أو غيره من كل ما يدل عليها دلالة ظاهرة. وهذا الاعتراف الظاهري يعد ترجمة عن العقيدة يدل دلالة ظنية عليها.

والثالث: العمل بكل ما أمر الله به من فريضة أو نافلة، والانتهاء عما نهى الله عنه من حرام وشبهة صغيرة وكبيرة, في سره وعلانيته، بقلبه وجوارحه٣.

هذا، وكلمة "الإيمان" ومشتقاتها، من أكثر الكلمات استعمالا في القرآن الكريم والسنة النبوية، وفيهما نجد حديثا مستفيضا عن الإيمان بالله وما يتفرع عنه وعن الإيمان بالبعث والجزاء والحساب ... بأسلوب حي مؤثر يملك على الإنسان جوانب نفسه، ويحمله على الطاعة والالتزام، فيكون لهذا الإيمان أثره في نفس الفرد وفي استقامة سلوكه، وفي الجماعة ونظام حياتها. وهذا يختلف عن أسلوب المتأخرين لما بحثوا في الإيمان، وشغلوا أنفسهم بمباحث جدلية كثيرة حول حقيقة الإيمان وأجزائه, وحول ارتكاب الكبيرة وحكم مرتكبها ... وهل يكفي التصديق أو العلم والمعرفة.. إلخ.


١ ويقيد شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك بقيد، وهو أن يكون تصديقا للخبر عن شيء مغيب، فيقول: "إن لفظ الإيمان ليس مرادفا للتصديق في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت. فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: صدق، كما يقال: كذب، أما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام أن من أخبر عن مشاهدة -كقوله: طلعت الشمس وغربت- أنه يقال: آمناه، كما يقال صدقناه ... " انظر: "الإيمان" لابن تيمية ص٢٧٦.
٢ جاء التعبير بـ "أشياء" بدلا من "أجزاء"؛ ليشمل ما يمكن فهمه من كلام السلف من أن العمل جزء داخل في مسماه، وما يمكن أن يفسر به من أن العمل من مقتضيات الإيمان وواجباته, وهو مطلوب وإن لم يكن جزءا منه.
راجع في هذا بحثا قيما للشيخ محمد أنور شاه الكشميري في "فيض الباري على صحيح البخاري": ١/ ٥٤, ٥٨.
٣ "المختار من كنوز السنة"، د. محمد عبد الله دراز، ص٧٣.

<<  <   >  >>