يتعرف الإنسان على الموجودات من حوله، ويحكم عليها، ويعلمها علما يقينيا أو ظنيا، بطرق وأسباب؛ قد تكون من داخل نفس الإنسان، وقد تكون من خارجها؛ فإذا كانت من خارج النفس, فهي الخبر الصادق بدلالته على ما يخبر عنه، وإن كانت من داخل النفس فهي الحواس الظاهرة والباطنة، والنظر العقلي المتدبر بحدوده وضوابطه.
وكذلك فطر الله تعالى الإنسان على معرفة أمور كثيرة يحتاج إليها في حياته، ومن أعظم هذه الأمور: المعرفة الفطرية المغروزة في نفسه عن الله تعالى ووحدانيته وقدرته، كما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت الحواس هي وسيلتنا للتعرف على عالم الشهادة أو الطبيعة "الآفاق والأنفس"، وكذلك العقل وسيلة ثانية، فإن كلا منهما لا يستطيع أن يعمل في مجال عالم الغيب -والإيمان به من أركان العقيدة الإسلامية- ولذلك فإن المصدر الذي نستقي منه العقيدة, ينبغي أن يكون مصدرا صحيحا ثابتا موثوقا، لا يخطئ ولا ينحرف. وإذا كان العقل البشري محدودا وقاصرا، فإن الفطرة -وهي طريق صحيح ومصدر معتبر في ذلك- قد يطرأ عليها ما يغشِّيها ويحرفها عن صوابها، فتحتاج إلى ما يجلوها ويصحح مسارها ويمنعها من الانحراف، وذلك هو الوحي "القرآن والسنة" الذي تكفل الله تعالى بإنزاله هداية للناس ورحمة بهم١.
وفي هذه الفقرة من البحث نعرض لمصادر العقيدة الإسلامية، مع بيان منزلة العقل ودوره، وأنه مؤيد لا يستقل بمعرفة أصول العقيدة على وجه التفصيل.
١ انظر: "عالم الغيب والشهادة في التصور الإسلامي" عثمان ضميرية، ص٢١-٤١.