وعدم الدخول في الكفر كالمعتزلة القائلين بأنه في منزلة بين المنزلتين، ويكذبون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين المرجئة الذين يرون أن مرتكب الكبيرة غير فاسق، وأنه لا يضر مع الإيمان أي ذنب، فهو مؤمن كامل الإيمان، وأن الأعمال الصالحة ليست من الدين، ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية تغليبا لجانب الوعد وآياته، فكل من هذين الفريقين يؤمن بجانب ويهمل الآخر.
د- وفي موقفهم من الصحابة -رضوان الله عليهم- يحبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُفْرِطون في حب أحد منهم ويتجاوزون به الحد، ولا يتبرءون منهم، ولا يذكرونهم إلا بخبر، فإن حبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، وقد شهد الله تعالى لهم بالخير والفضل، وتواردت الأحاديث النبوية في ذلك، وفضلهم مأثور غير منكور.
وبذلك يكونون وسطا بين الرافضة الذين يغالون في علي رضي الله عنه، فيفضلونه على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ويعتقدون أنه الإمام المعصوم دونهما، وأن الصحابة ظلموا وفسقوا، وكفروا الأمة بعدهم كذلك، وربما جعلوه نبيا أو إلها، وبين الجافية من الخوارج الذين يعتقدون كفر علي وعثمان -رضي الله عنهما- ويستحلون دماءهما ودماء من تولاهما، ويستحبون سب علي وعثمان ونحوهما، ويقدحون في خلافة علي -رضي الله عنه- وإمامته. وكل من هاتين الفرقتين تجمع غلوا وتقصيرا في الوقت نفسه، فكل منهما يحب صحابيا ويغالي فيه ويعادي الآخرين ويبغضهم، فيجمعون بذلك بين الإفراط والتفريط.
وهكذا في سائر أبواب الاعتقاد ومسائله، يقف أهل السنة والجماعة موقفا وسطا؛ لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله، وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.