ومن ثم أصبحت كلمة التوحيد، وهي شهادة "أن لا إله إلا الله" تشير إلى كل جوانب العقيدة ومسائلها؛ لأنه إذا حصل الإيمان بمضمونها على وجه صحيح استتبع ذلك -قطعا- الإيمان بسائر العقائد من إلهيات ونبوات وسمعيات؛ فإن الوحدانية تتضمن الاعتراف بالله بأنه المعبود بحق، وهو اعتراف ضمني بأنه جامع لكل كمال، منزَّه عن كل نقص، إذ لا يستحق العبادة -وهي نهاية التعظيم وغاية المحبة والخشية- إلا من كان كذلك.
وإنما كانت العناية بذكر الوحدانية؛ لأنها كانت أهم مقاصد الرسل جميعا؛ لأنها هي وحدها العقيدة التي كفرها أكثر الناس وهجروها، فهم يعرفون الله تعالى بقدرته وعلمه وإرادته وأنه خالق السموات والأرض ... إلخ, ولكنهم يؤمنون به وهم مشركون يتخذون له أندادا من دونه يحبونهم كحبه ويخشونهم كخشيته، وسيأتي مزيد بيان لهذا في بيان أنواع التوحيد, إن شاء الله تعالى.
وهي تدل أيضا على النبوات وما يتصل بها، فإن تكذيب الرسل هو عند التحقيق تكذيب لله تعالى وشرك به؛ لأنه لا يكذب الرسول إلا من أنكر معجزاته، ولا معنى لإنكار معجزاته إلا إنكار كونها من عند الله، وعندئذ يحصل الكفر؛ ولهذا حكم الله تعالى بالكفر على كل من يكفر برسول من الرسل فقال: