للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا، أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: ١٥٠، ١٥١] .

ثم إن تصديق الرسول في دعوى الرسالة يستلزم تصديقه في كل ما جاء به, فتدخل السمعيات وغيرها في التوحيد, فيكون التوحيد جماع الدين كله١.

وقد أدخل بعض علماء الكلام في التوحيد ما ليس منه، فهم يريدون بلفظ التوحيد والواحد في اصطلاحهم: ما لا صفة له، ولا يعلم منه شيء دون شيء ولا يُرَى.

وبعضهم يظن أن التوحيد يراد به مجرد توحيد الربوبية، وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، ويظنون أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد، وأنهم إذا شهدوا هذا فقد فَنُوا في غاية التوحيد.

وكثير منهم يقول: التوحيد له ثلاثة معانٍ، وهو أنه واحد في ذاته لا قسيم له؛ وواحد في صفاته لا شبيه له؛ وواحد في أفعاله لا شريك له.

وهذا الذي تقدم عنهم في معنى التوحيد وما يتضمنه، فيه ما هو حق مما هو ثابت, وفيه ما هو باطل ومخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإن التوحيد الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يتضمن شيئا من النفي الذي أثبتوه حين قالوا: ما لا صفة له ولا يعلم منه شيء دون شيء ... لأن التوحيد الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- تضمن إثبات الإلهية لله وحده، وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، والأدلة على ذلك كثيرة متظاهرة.

وكذلك فإن التوحيد الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس مقتصرا على إثبات الربوبية لله تعالى, ولا على أنه واحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له، فهذا مما يكاد لا يخالف فيه أحد.

بل يتضمن هذا، ويتضمن عبادة الله تعالى، فهو وحده المستحق للعبادة، فليس كل من أقر أن الله رب كل شيء وخالقه يكون عابدا له دون ما سواه٢.


١ انظر: "المختار من كنوز السنة" ص١٠٩ و١٤٢-١٤٤.
٢ انظر: "درء تعارض العقل والنقل": ١/ ٢٢٤-٢٢٨، "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية": ٣/ ٩٧ وما بعدها.

<<  <   >  >>