أما لماذا كان هذا الاهتمام بجانب العقيدة؟ ولماذا كانت هي الأصل الذي ينبثق عنه النظام؟ ولماذا ربطت بها سائر الأحكام؟ ... فهذا ما يجب أن نقف عنده وقفة نستجلي فيها الإجابة.
بعث الله تعالى محمدا -صلى الله عليه وسلم- بعد فترة من الرسل، وبعد أن انحرفت البشرية عن دين الله تعالى ومنهجه، فضربت في بيداء التيه والضلال، وتجرّعت مرارة الضياع، وعبدت الشجر والحجر، والنجوم والدواب، واستعبدتْها الأهواء والشهوات، كما استعبدها الطغاة من الملأ، في كل مرة تمردت فيها على عبوديتها لله سبحانه وتعالى.
فكانت بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- حياة ونورا، لا غنى للبشرية عنهما:
ووقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصدع بكلمة الحق ويهتف بها في الناس قائلا:"أيها الناس, قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا".
وظل القرآن الكريم في مكة المكرمة يتنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة عشر عاما كاملة، يحدثه فيها عن قضية واحدة لا تتغير ... لقد كان يعالج القضية الأولى، والقضية الكبرى، والقضية الأساسية في هذا الدين ... قضية العقيدة والتوحيد، ممثلة في قاعدتها الرئيسية وأسّها الأول: الألوهية والعبودية، وما بينهما من علاقة.
وهذه القضية الكبرى، هي قضية كل إنسان؛ لأنها تفسر له سر وجوده في هذا الكون, وغايته التي يسعى من أجلها، وتفسر له نشأته، وتحدد له مصيره ونهايته،