وبعد أن ألمعنا إلى بعض الجوانب من هذه العقيدة، التي هدانا الله تعالى إليها وأكرمنا بها -بما نظنه متناسبا مع هذا المدخل- أصبح بإمكاننا أن نستخلص منها أهم ما تختص به من الصفات أو القابليات التي تميزها عن غيرها من العقائد والمذاهب، وترسم معالمها وتحدّد كيانها المستقل، مع الإشارة السريعة إلى شيء من الآثار التي تترتب على هذه الخصائص١.
ونجتزئ هنا بأهم هذه الخصائص، إذ يمكن أن نرد إليها سائر الخصائص الأخرى:
١- التوقيفية:
فهي عقيدة يوقف بها عند الحدود التي حددها وبينها وبلغها النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا مجال فيها لزيادة أو نقصان أو تعديل أو تبديل؛ ذلك أن العقيدة الإسلامية ربانية المصدر، موحًى بها من عند الله تعالى، فلا تستمد أصولها من غير الوحي "الكتاب والسنة" على ما أشرنا إليه في فقرة سابقة عن "مصادر العقيدة".
وهذه الخاصية للعقيدة الإسلامية تميزها عن غيرها من المعتقدات الوثنية التي تُنشئها المشاعر والأخيلة والأوهام والتصورات البشرية من تلقاء نفسها. كما أنها تميزها عن العقائد السماوية في صورتها الأخيرة التي آلت إليها على يد الأتباع بما أضافوه إليها، وبما حذفوه منها، وبما غيروا فيها وبدلوا، حسب ما أملته عليهم
١ ومعرفة هذه الخصائص وتحديدها أمر ضروري لأمور كثيرة، وقد كتب الأستاذ سيد قطب -رحمه الله تعالى رحمة واسعة- كتابا كاملا في هذه الخصائص، هو القسم الأول من كتابه الممتع الفريد "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته" انظر مقدمته ص٥، ٦.