واستمر نزول الوحي عليه -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة ثلاثة عشر عاما، لم يعرف لها التاريخ مثيلا في التجرد والإخلاص، والصبر والجهاد والمجاهدة, والتربية الإيمانية العميقة، فنشأت القاعدة الصلبة التي رباها النبي -صلى الله عليه وسلم- على عينه، يقود خطاها الوحي الإلهي في كل لحظة من اللحظات، ويأخذ بيدها لتكون على الجادة من الطريق الطويل، ثم انتقل بها إلى حيث تجد التطبيق العملي لمبادئ الإسلام كاملة في المدينة, بعد أن أراد الله لهم الخير, فساقهم ليبايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بيعة العقبة، التي كانت حجر الأساس في بناء الدولة الإسلامية، التي عمل لها النبي -صلى الله عليه وسلم- بوحي من ربه تبارك وتعالى.
حتى إذا ما أكمل صلى الله عليه وسلم البناء, وأتم البلاغ والتحق بالرفيق الأعلى كان لهذه القاعدة ولهذه الأمة شأن أي شأن في تاريخ البشرية كله.
كل هذا، والصحابة -رضوان الله عليهم- يتلقون من النبي -صلى الله عليه وسلم- أحكام هذا الدين وتعاليمه وآدابه، فيما يتعلق بالإيمان ومعرفة الله سبحانه وما ينبغي له من الطاعة، وفي كيفية العبادة وأداء الشعائر، وفي شتى أنواع المعاملات في مناحي الحياة الفردية والاجتماعية، وفي الأخلاق والآداب والسلوك، ثم في علاقة الأمة بغيرها من الأمم والديانات الأخرى ... دون أن يكون هناك تفكير في تقسيم هذه