ثم جدّت بعد ذلك أمور اقتضت تدوين مسائل العقيدة في علم مستقل. ونشير فيما يلي إلى أهم هذه الأسباب والعوامل، فيما نستخلصه من الوقائع، لعل باحثا يقوم بتتبع ذلك وتقديم دراسة متكاملة عن مراحل التدوين وأساليبه في مجال العقيدة الإسلامية.
[العوامل الداخلية]
١- التحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى، بعد أن بلّغ رسالة ربه تبارك وتعالى، وترك في هذه الأمة ما إن تمسكت به لن تضل بعده أبدا: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان كتاب الله تعالى محفوظا في صدور الصحابة، ومكتوبا في الصحف -على ما كان متيسرا من وسائل الكتابة- ليكون ذلك وسيلة لتحقيق وعد الله تعالى بحفظ الذكر، ثم جمع في مصحف واحد في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم كان الجمع الثاني ونسخ المصاحف وتوزيعها في الأمصار في عهد عثمان رضي الله عنه، وقد توفر لهذا الكتاب ما لم يتوفر لكتاب آخر؛ سماوي أو غير سماوي١.
أما الحديث وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم تُدَوَّن رسميا تدوينا شاملا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما دُوِّن القرآن الكريم، وإنما كانت محفوظة في الصدور، نقلها
١ انظر: "الموافقات في أصول الشريعة" للشاطبي: ٢/ ٥٨-٦١، "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم: ٤/ ٤٥٣، ٤٥٤، "إظهار الحق" للشيخ رحمه الله الهندي ص٢٠٧ وما بعدها.