للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تعريف أهل الحديث]

فإذا تعرفنا على معنى الحديث، فإننا نستطيع أن نتعرف على "أهل الحديث"؛ وهم الذين سلكوا طريق الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين، وكان لهم عناية خاصة بأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- جمعا وحفظا ورواية, وفهما وعملا في الظاهر والباطن.

فكانوا بذلك ألزم الناس لسنن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقدِّمون بين يديه، ولا يرفعون صوتهم فوق صوته بتقديم رأي أو هوى, أو استحداث بدعة.

ومنهم: كل عامل فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب محسن، وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم؛ لأنهم أخذوا دينهم وهديهم من الكتاب والسنة وطريق النقل، فأورثهم ذلك اتفاقا في الدين وائتلافا، رغم بعد ديارهم واختلاف أزمانهم١

وكان المتقدمون يطلقون مصطلح "أهل الحديث" على المدرسة التي تقابل أهل الكلام، الذين عابهم السلف لما أدخلوه في الاعتقاد من مصطلحات وأفكار غريبة على المنهج الإسلامي، ولذلك اشتد النكير عليهم من علماء السنة. وهم أنفسهم -أي: علماء الكلام- كان يطلق عليهم "أهل الرأي"٢؛ لأنهم يقدمون آراءهم على الكتاب والسنة، ويعطون عقولهم سلطة الحكم على النصوص الشرعية. وهؤلاء هم أعداء السنن حقيقة, كما جاء وصفهم عن عمر رضي الله عنه.


١ انظر: "معرفة علوم الحديث" ص٢-٤، "الحجة في بيان المحجة": ٢/ ٢٢٠-٢٣٦, "شرف أصحاب الحديث" ص٨-١١، "فتاوى شيخ الإسلام": ٤/ ٩١-٩٥، "قواعد التحديث" ص٦٠.
٢ وإن كانت تطلق أيضا على مدرسة الكوفة الفقهية، التي يمثلها الحنفية فيما بعده، ولكن ليس المراد بهم عند المقابلة بأهل الحديث فقهاء الحنفية، وإنما يراد بهم المعتزلة وأهل الكلام. ويؤيد هذا أن مدرسة الكوفة والحجاز كلتيهما "الحنفية وأهل الحديث" تعتمدان على القرآن والحديث، وكذلك تقولان بالرأي بدرجة متقاربة وصور متشابهة، ويشهد له أيضا: أن ابن قتيبة -رحمه الله- وهو صاحب الهجوم الشديد على أهل الرأي، عد منهم في كتابه: "المعارف"؛ الأوزاعي، وسفيان الثوري، والإمام مالكا، وهؤلاء ليسوا من مدرسة الحنفية أو الرأي على ما هو المشهور.
انظر: "الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث" ص٢١ وما بعدها، "المعارف" لابن قتيبة ص٤٩٤-٤٩٩.

<<  <   >  >>