"إن الله تعالى لما بعث من العرب نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- رسولا إلى الناس جميعا، وصف لهم ربهم سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه الكريمة في كتابه العزيز, وبما أوحى إليه ربه تعالى، فلم يسأله -صلى الله عليه وسلم- أحد من العرب بأسرهم عن معنى شيء من ذلك، كما كانوا يسألونه عن أمر الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك مما لله سبحانه فيه أمر ونهي، وكما سألوه -صلى الله عليه وسلم- عن أحوال القيامة والجنة والنار، إذ لو سأله إنسان منهم عن شيء من الصفات الإلهية لنُقل كما نقلت الأحاديث الواردة عنه -صلى الله عليه وسلم- في أحكام الحلال والحرام ... ونحو ذلك مما تضمنته كتب الحديث.
ومن أمعن النظر في كتب الحديث النبوي ووقف على الآثار السلفية، علم أنه لم يرد قط، من طريق صحيح ولا سقيم، عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا فرّق أحد منهم بين كونها صفة ذات أو صفة فعل، وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية، من العلم والقدرة، والحياة والإرادة، والسمع والبصر والكلام, والجلال والإكرام، والجود والإنعام، والعز والعظمة. وهكذا أطلقوا ما أطلقه الله تعالى على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك، مع نفي مماثلة المخلوقين، فأثبتوا لله تعالى الصفات بلا تشبيه بخلقه، ونزّهوه عن صفات النقص من غير تعطيل وإنكار. ولم يتعرض أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا، ورأوا -بأجمعهم- إجراء الصفات كما وردت.
ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به على وحدانية الله تعالى, وعلى إثبات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- سوى كتاب الله، فما عرف أحد منهم شيئا من الطرق الكلامية