للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الآية من أعظم الشواهد على ذلك، فقد جاء تفسيرها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنهم الذين يجادلون في آيات الله بترك الآيات المحكمة واتباع المتشابه، وهذا يصدق على كل صاحب بدعة، ويدخل فيهم ما ذكره بعضهم كالخوارج وأتباع ابن سبأ، بل ويدخل فيهم كل المبتدعة من غير هذه الأمة حتى قال قتادة رحمه الله: إن لم يكونوا الحرورية والسبئية، فلا أدري من هم؟

ثم قال: إن اليهودية لَبدعة، وإن النصرانية لبدعة, وإن الحرورية لبدعة، وإن السبئية لبدعة، ما نزل بهن كتاب ولا سنهن نبي١.

وقال تعالى:

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣] .

فالصراط المستقيم: هو سبيل الله الذي دعا إليه، وهو السنة. و"السبل": هي سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الطريق المستقيم، وهم أهل البدع، كما جاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- ما يفسر ذلك٢، وعلى هذا قول مجاهد حيث فسرها بالبدع والشبهات.


١ انظر: "الاعتصام" للشاطبي: ١/ ٥٣-٦٥، "تفسير الطبري": ٦/ ١٨٦-١٩٥، "تفسير البغوي": ٢/ ٩.
٢ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: خَطَّ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطا ثم قال: $"هذا سبيل الله"، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، وقال: "هذه سبل, على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} الآية.
أخرجه الدارمي: ١/ ٦٧، والحاكم: ٢/ ٣١٨، وأخرجه الطبري: ١٢/ ٢٣٠، والآجري ص١٠، واللالكائي: ١/ ٨٠، ٨١، وابن أبي عاصم: ١/ ١٣، والإمام أحمد في "المسند": ١/ ٤٣٥، والبغوي في "التفسير": ٣/ ٢٠٥, وفي "شرح السنة": ١/ ١٩٦، ١٩٧. وانظر: "مجمع الزوائد": ٧/ ٢٢، "تفسير ابن كثير": ٢/ ١٩١.

<<  <   >  >>