للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبودية، ومعنى إفراد الله -سبحانه- بالألوهية.

إن ذلك التقسيم -مع مرور الزمن- جعل بعض الناس يفهمون أنهم يملكون أن يكونوا "مسلمين" إذا هم أدوا نشاط "العبادات" -وفق أحكام الإسلام- بينما هم يزاولون كل نشاط "المعاملات" وفق منهج آخر, لا يتلقونه من الله، ولكن من إله آخر! هو الذي يشرع لهم في شئون الحياة ما لم يأذن به الله!

وهذا وهم كبير. فالإسلام وحدة لا تنفصم، وكل من يفصمه إلى شطرين -على هذا النحو- فإنما يخرج من هذه الوحدة, أو بتعبير آخر: يخرج من هذا الدين..

وهذه هي الحقيقة الكبيرة، التي يجب أن يلقي باله إليها كل مسلم يريد أن يحقق إسلامه؛ ويريد في الوقت ذاته، أن يحقق غاية وجوده الإنساني.

إن هذه الحقيقة ليست أهميتها فقط في تصحيح التصور الإيماني -وإن كان هذا التصحيح في ذاته غاية ضخمة، يقوم عليها بناء الحياة كله- بل إن أهميتها تتجلى كذلك في حسن تذوق الحياة، وبلوغ هذا التذوق أعلى درجات الكمال والتناسق. فقيمة الحياة الإنسانية ذاتها ترتفع حين تصبح كلها عبادة لله؛ وحين يصبح كل نشاط فيها -صغر أم كبر- جزءا من هذه العبادة، أو كل العبادة، متى نظرنا إلى المعنى الكبير الكامن فيه، وهو إفراد الله -سبحانه- بالألوهية، والإقرار له وحده بالعبودية ... هذا المقام الذي لا يرتفع الإنسان إلى ما هو أعلى منه؛ ولا يبلغ كماله الإنساني إلا في تحقيقه. وهو المقام الذي بلغه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أعلى حالاته التي ارتقى إليها: حالة تلقي الوحي من الله، وحالة الإسراء والمعراج أيضا:

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١] .

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى

<<  <   >  >>