للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قسمين اثنين: حياتنا الروحية، وحياتنا المادية ... يجب أن تقترن هاتان الحياتان في وعينا وفي أعمالنا، لتكون "كلا" واحدا متسقا.. إن فكرتنا عن وحدانية الله يجب أن تتجلى في سعينا للتوفيق والتوحيد بين المظاهر المختلفة في حياتنا".

"هناك نتيجة منطقية لهذا الاتجاه, هي فرق آخر بين الإسلام وسائر النظم الدينية المعروفة. ذلك أن الإسلام -على أنه تعليم- لا يكتفي بأن يأخذ على عاتقه تحديد الصلات المتعلقة بما وراء الطبيعة فيما بين المرء وخالقه فقط. ولكن يعرض أيضا -بمثل هذا التوكيد على الأقل- للصلات الدنيوية بين الفرد وبيئته الاجتماعية.. إن الحياة الدنيا لا ينظر إليها على أنها صَدَفَة عادية فارغة، ولا على أنها طيف خيال للآخرة, التي هي إيجابية تامة في نفسها. والله تعالى واحد لا في ذاته فحسب, بل في الغاية إليه أيضا ... من أجل ذلك كان خلقه وحدة، ربما في جوهره، إلا أنه وحدة في الغاية منه بكل تأكيد".

"وعبادة الله في أوسع معانيها -كما شرحنا آنفا- تؤلف في الإسلام معنى الحياة الإنسانية.. هذا الإدراك وحده يرينا إمكان بلوغ الإنسان الكمال، في إطار حياته الدنيوية الفردية, ومن بين سائر النظم الدينية نرى الإسلام -وحده- يعلن أن الكمال الفردي ممكن في الحياة الدنيا ... إن الإسلام لا يؤجل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات "الجسدية"، ولا هو يعدنا بسلسلة متلاحقة الحلقات من "تناسخ الأرواح" على مراتب متدرجة -كما هي الحال في الهندوكية- ولا هو يوافق البوذية التي تقول بأن الكمال والنجاة لا يتمان إلا بعد انعدام النفس الجزئية وانفصام علاقاتها الشعورية من العالم.. كلا إن الإسلام يؤكد على إعلانه أن الإنسان يستطيع بلوغ الكمال في حياته الدنيا الفردية، وذلك بأن يستفيد استفادة تامة من وجوه الإمكان الدنيوي في حياته هو"١.


١ الإسلام على مفترق الطرق ص٢١، ٢٢ من الترجمة العربية, بتصرف يسير.

<<  <   >  >>