للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٣١] .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، بأنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، كما ثبت في الصحيح أنه قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ١ ولهذا قال: "إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِب, إنما الشأن أن تُحَب. وقال الحسن البصري: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ٢.

هذا، والأحاديث النبوية الكثيرة فيها إشارات لشروط هذه المحبة ومقتضياتها وأثرها ... ولكن بقي أن نشير هنا -تأكيدا لما سبق- إلى أن هذه المحبة ليست هي المحبة الطبيعية للشيء، ولا محبة الرحمة والإشفاق، كمحبة الوالد لولده الطفل، ولا محبة الإلف والأُنس كمحبة الإخوة لبعضهم أو لمن يجمعهم عمل واحد أو صناعة واحدة ... وإنما هي المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله تعالى، ومتى أحب العبد بها غيره كانت شركا لا يغفره الله، وهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم وكمال الطاعة، وإيثاره -سبحانه- على غيره. فهذه المحبة لا يجوز تعلقها أصلا بغير الله، وهي التي سوّى المشركون بين الله تعالى وبين آلهتهم فيها، حيث قال الله تعالى عنهم:


١ أخرجه مسلم: ٣/ ١٣٤٣.
٢ "تفسير ابن كثير" ٢/ ٢٥, طبعة الشعب.

<<  <   >  >>