ويرشدك إلى هذا المعنى: أن صدر سورة الممتحنة، الذي نزل في حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- وفيه نهى الله تعالى عن موالاة أعدائه, إنما كان نهيا عن مناصرة الكفار بإلقاء شيء من أسرار النبي -صلى الله عليه وسلم- وإفشائه، بحكم ما كان بين حاطب وبين القوم، فأراد أن يتخذ عندهم يدا.
فقد كان حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- رجلا من المهاجرين، وكان من أهل بدر أيضا، وكان له بمكة أولاد ومال، ولم يكن من قريش أنفسهم، بل كان حليفا لعثمان -رضي الله عنه- فلما عزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فتح مكة، لما نقض أهلها العهد، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتجهيز لغزوهم، وقال: "اللهم عَمِّ عليهم خبرنا" فعمد حاطب، فكتب كتابا وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة، يعلمهم بما عزم عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوهم؛ ليتخذ بذلك عندهم يدا، فأطلع الله تعالى على ذلك رسول الله، استجابة لدعائه. فبعث في أثر المرأة من أخذ الكتاب منها منها, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب, ما هذا "؟ قال: لا تعجل عليَّ! إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة، فأحببت -إذ فاتني ذلك من النسب فيهم- أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه صَدَقكم" , فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر, فقال: اعملوا ما شئتم, فقد غفرت لكم"، فأنزل الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} ١.
١ "في ظلال القرآن": المجلد الثاني ص٩٠٩، وانظر "مجموعة التوحيد" ص١١٤، ١١٥، "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية": ٣/ ١٠، "الإيمان" د. محمد نعيم ياسين، ص٢٢٨، ٢٢٩، "الولاء والبراء في الإسلام"، ص٩٠، "الموالاة والمعاداة": ١/ ٢٧-٥٠.