للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ضرب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أمثلة على وسطية الإسلام هذه بين الأديان، في الموقف من الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- بين جفاء اليهود وغلوّ النصارى، وفي شرائع دين الله تعالى بين اليهود الذين حرّموا على الله أن ينسخ ما يشاء أو يحكم ما يشاء, وبين النصارى الذين جوزوا ذلك لعلمائهم، وكذلك في وسطية الإسلام بينهما فيما يتعلق بالحلال والحرام, وفيما يتصل بأسماء الله وصفاته١.

والمذاهب المادية تُعْنَى بجانب المادة وتهمل الروح، أو تُعْنَى بالفرد وتهمل مصلحة الجماعة، وتقوم مذاهب أخرى لتُعلي من شأن الروح على حساب القيم الأخرى، أو لتغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد الذي تعتبره كما مهملا, لا قيمة له بمفرده.

والصور التي تأتي شاهدا على هذا التوازن تعز على الحصر، فإن كل ما في الإسلام وكل ما في العقيدة الإسلامية ناطق بهذا التوازن الدقيق، حسبنا هنا الإشارة إلى أهم الموازنات التي عرض لها الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- في "خصائص التصور الإسلامي"٢، ومن ذلك:

التوازن بين ما يتلقاه الإنسان عن طريق الوحي وبين ما يتلقاه عن طريق وسائل الإدراك البشري، والتوازن بين طلاقة المشيئة الإلهية وثبات السنن الكونية، والتوازن بين المشيئة الإلهية الطليقة ومجال المشيئة الإنسانية المحدودة، والتوازن في مصادر المعرفة بين الوحي والعقل.. وبين الإيمان بالقدر والأخذ بالأسباب.. وبين العمل للدنيا والعمل للآخرة، وبين القيم المادية والقيم المعنوية.

وهذه الخاصية لها أثرها الكبير في عصمة هذه الأمة عن الغلو والإفراط وعن النقص والتفريط، وعن التأرجح بين المذاهب والأفكار القاصرة، والأخطاء الناتجة عن الوقوع في الانحراف بكل قيمة عن مكانتها اللائقة بها.


١ انظر: "الوصية الكبرى" لابن تيمية ص٤٧-٥٢.
٢ "الخصائص" ص١٣٦ وما بعدها. وراجع "منهج التربية الإسلامية" الأستاذ محمد قطب ١/ ١٢٦-١٨٠.

<<  <   >  >>