للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فشغل المسلمون أنفسهم بذلك: هل الإنسان مسيَّر أم مخيَّر؟ وإذا كان كذلك فهل هو مسئول عن عمله؟ وما حدود هذه المسئولية؟ وغير ذلك من الأسئلة التي طرحت في أعقاب التعمق في هذه المسألة مع البعد عن منهج السلف في العمل والعبودية والخضوع لله، فإذا انضم إلى ذلك محاولة كل فريق أن يسند رأيه بآية أو حديث، يضعهما في غير موضعهما، أو يؤولهما ليؤيد رأيه بذلك، أو يأخذ بعض النصوص ليعارض بها نصوصا أخرى؛ إذا انضم هذا إلى ذاك علمنا مقدار الخسارة والجهد الذي أضاعه المسلمون في بحث هذه المشكلات والتعمق فيها والرد على أصحابها، وإن كان ذلك لا بد منه لرد الشبهات وإقامة الحجة١.

والمسألة الثالثة التي شغلت التفكير الإسلامي كذلك, هي مسألة "مرتكب الكبيرة"، وفي أول الأمر كانت ممثلة في أحداث جزئية، ثم بالتدريج أخذت تظهر في صورة عامة وتفرعت عن هذه المسألة مسائل أخرى؛ كمسألة الإمامة, وحقيقة الكفر، وحقيقة الإيمان، وزيادة الإيمان ونقصانه.

وعن البحث في هذه المسائل نشأت في الجماعة الإسلامية فرق وأحزاب: الخوارج، والشيعة، والمرجئة، والمعتزلة..٢ وذهبت كل فرقة تدافع عن رأيها ومعتقدها, فكان هذا من العوامل التي دفعت بأهل السنة إلى الرّدّ على هذه الفرق فنشأت الكتابة في العقيدة؛ لبيان الحق ورد الشبهات.


١ راجع: "التفكير الفلسفي في الإسلام"، "١٢٩-١٣٣"، "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام": ١/ ٢٢٩-٢٣٣، "المذاهب الإسلامية" ص٩٩-١٠٢. وعن الإيمان بالقدر وموقف السلف والنهي عن التعمق فيه انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ص٢٥٠-٢٨٠، واقرأ ما كتبه الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- في "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته" القسم الأول ص١٤٣-١٥٤ عن التوازن بين مجال المشيئة الإلهية الطليقة، ومجال المشيئة الإنسانية المحدودة.
٢ "الجانب الإلهي" للدكتور محمد البهي ص٦٧، ٦٨، "المذاهب الإسلامية" لأبي زهرة ص١٠٢.

<<  <   >  >>