للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيد أن موقفهم السيكولوجي ما زال كما قرره القرآن في قوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} .

فالحرب الصليبية -وهي تعتبر أول غزو مسلح ذي شكل ديني قامت به أوروبا لغزو الإسلام في داره- جعلت هدفها الظاهر الدعوة التبشيرية للمسيحية كما هو واضح في اسمها -وفي حقيقة الأمر كانت أطماعا في لبن الشرق وعسله- والدعوة التبشيرية لمن؟ للإسلام، وتلك دعوة في ظاهرها مغلوطة فضلًا عن رفضها من حيث المبدأ من عدة جوانب؛ لأن دين الإسلام يعترف بالأديان السماوية ويعتبر الإسلام نفسه أنه مكمل لها، وعلى هذه الأديان دراسة العلاقة التي قررها الإسلام، ومن حيث دولة الإسلام ذات السيادة؛ فإنها تعترف بالدين المسيحي وتحترم المسيحية، فغزو أوروبا لدولة الإسلام كي تحملها على الاعتراف بالدين السماوي غير وارد.

وأما من ناحية علاقة الإسلام -من كونه دينًا ودولة- بالأقليات الدينية فإن حقوقهم قد كفلها الإسلام وباتوا إخوة مع المسلمين فغزوهم؛ لتأمين هذه الأقليات غير وارد أيضا كأسباب لغزو مسلح.

لذلك قلنا: إن الصليبية حملت الصليب رمزا للتعذيب، ولم ترفع الكتاب رمزا للحب والسلام.

وفي النهاية يقول كارلو نللينو١: التشريع عند النصارى عمل بشري ليس له ارتباط متين بأقوال الإنجيل، أما التشريع في الإسلام فلا يتصور إلا كفرع من العلوم النقلية الدينية؛ أصوله في القرآن، والسنة، والإجماع.

فلهذا السبب أيضا تنطوي كتب الفقه الإسلامية على العبادات التي لا مكان لها في فقه الأمم النصرانية، وكفى ذلك برهانا على عظيم شأن القرآن في الهيئة الاجتماعية الإسلامية، ودخول أحكامه في أمور دنيوية فقط عند النصارى.


١ تاريخ الآداب العربية: كارلو نلينو، ط٢. دار المعارف ص٩٩.

<<  <   >  >>